سورة الأنعام - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنعام)


        


{وَقالُوا إِنْ هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (29)}
قوله تعالى: {وَقالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا} ابتداء وخبر و{إِنْ} نافية. {وَما نَحْنُ} {نَحْنُ} اسم {ما} بِمَبْعُوثِينَ خبرها، وهذا ابتداء إخبار عنهم عما قالوه في الدنيا. قال ابن زيد: هو داخل في قوله: {وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ} {وَقالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا} أي لعادوا إلى الكفر، واشتغلوا بلذة الحال. وهذا يحمل على المعاند كما بيناه في حال إبليس، أو على أن الله يلبس عليهم بعد ما عرفوا، وهذا شائع في العقل.


{وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ قالَ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (30)}
قوله تعالى: {وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ} {وُقِفُوا} أي حبسوا {عَلى رَبِّهِمْ} أي على ما يكون من أمر الله فيهم.
وقيل: {عَلى} بمعنى {عند} أي عند ملائكته وجزائه، وحيث لا سلطان فيه لغير الله عز وجل، تقول: وقفت على فلان أي عنده، وجواب {لَوْ} محذوف لعظم شأن الوقوف. {قالَ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ} تقرير وتوبيخ أي أليس هذا البعث كائنا موجودا؟! {قالُوا بَلى} ويؤكدون اعترافهم بالقسم بقولهم: {وَرَبِّنا}.
وقيل: إن الملائكة تقول لهم بأمر الله أليس هذا البعث وهذا العذاب حقا؟ فيقولون: {بَلى وَرَبِّنا} إنه حق. {قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ}.


{قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ (31)}
قوله تعالى: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ} قيل: بالبعث بعد الموت وبالجزاء، دليله قوله عليه السلام: «من حلف على يمين كاذبة ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان» أي لقي جزاءه، لان من غضب عليه لا يرى الله عند مثبتي الرؤية، ذهب إلى هذا القفال وغيره، قال القشيري: وهذا ليس بشيء، لان حمل اللقاء في موضع على الجزاء لدليل قائم لا يوجب هذا التأويل في كل موضع، فليحمل اللقاء على ظاهره في هذه الآية، والكفار كانوا ينكرون الصانع، ومنكر الرؤية منكر للوجود! قوله تعالى: {حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً} سميت القيامة بالساعة لسرعة الحساب فيها. ومعنى {بَغْتَةً} فجأة، يقال: بغتهم الامر يبغتهم بغتا وبغتة. وهي نصب على الحال، وهي عند سيبويه مصدر في موضع الحال، كما تقول: قتلته صبرا، وأنشد:
فلأيا بلأي ما حملنا وليدنا *** على ظهر محبوك ظماء مفاصله
ولا يجيز سيبويه أن يقاس عليه، لا يقال: جاء فلان سرعة. قوله تعالى: {قالُوا يا حَسْرَتَنا} وقع النداء على الحسرة وليست بمنادي في الحقيقة، ولكنه يدل على كثرة التحسر، ومثله يا للعجب ويا للرخاء وليسا بمنادين في الحقيقة، ولكنه يدل على كثرة التعجب والرخاء، قال سيبويه: كأنه قال يا عجب تعال فهذا زمن إتيانك، وكذلك قولك يا حسرتي أي يا حسرتا تعالى فهذا وقتك، وكذلك ما لا يصح نداؤه يجرى هذا المجرى، فهذا أبلغ من قولك تعجبت. ومنه قول الشاعر:
فيا عجبا من رحلها المتحمل. وقيل: هو تنبيه للناس على عظيم ما يحل بهم من الحسرة، أي يا أيها الناس تنبهوا على عظيم ما بي من الحسرة، فوقع النداء على غير المنادى حقيقة، كقولك: لا أرينك ها هنا. فيقع النهي على غير المنهي في الحقيقة.
قوله تعالى: {عَلى ما فَرَّطْنا فِيها} أي في الساعة، أي في التقدمة لها، عن الحسن. و{فَرَّطْنا} معناه ضيعنا وأصله التقدم، يقال: فرط فلان أي تقدم وسبق إلى الماء، ومنه: «أنا فرطكم على الحوض». ومنه الفارط أي المتقدم للماء، ومنه- في الدعاء للصبي- اللهم اجعله فرطا لأبويه، فقولهم: {فَرَّطْنا} أي قدمنا العجز.
وقيل: {فَرَّطْنا} أي جعلنا غيرنا الفارط السابق لنا إلى طاعة الله وتخلفنا. {فِيها} أي في الدنيا بترك العمل للساعة.
وقال الطبري: الهاء راجعة إلى الصفقة، وذلك أنهم لما تبين لهم خسران صفقتهم ببيعهم الايمان بالكفر، والآخرة بالدنيا، {قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها} أي في الصفقة، وترك ذكرها لدلالة الكلام عليها، لان الخسران لا يكون إلا في صفقة بيع، دليله قوله: {فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ} [البقرة: 16].
وقال السدي: على ما ضيعنا أي من عمل الجنة.
وفي الخبر عن أبي سعيد الخدري عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذه الآية قال: «يرى أهل النار منازلهم في الجنة فيقولون: {يا حَسْرَتَنا}». قوله تعالى: {وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ} أي ذنوبهم جمع وزر. {عَلى ظُهُورِهِمْ} مجاز وتوسع وتشبيه بمن يحمل ثقلا، يقال منه: وزر يزر، ووزر يوزر فهو وازر وموزور، وأصله من الوزر وهو الجبل. ومنه الحديث في النساء اللواتي خرجن في جنازة: «ارجعن موزورات غير مأجورات» قال أبو عبيد: والعامة تقول: مأزورات كأنه لا وجه له عنده، لأنه من الوزر. قال أبو عبيد: ويقال للرجل إذا بسط ثوبه فجعل فيه المتاع احمل وزرك أي ثقلك. ومنه الوزير لأنه يحمل أثقال ما يسند إليه من تدبير الولاية: والمعنى أنهم لزمتهم الآثام فصاروا مثقلين بها. {أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ} أي ما أسوأ الشيء الذي يحملونه.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10